المبحث الثاني
سند رواية قالون
اعلم أنَّ القراءات القرآنية العشرة التي وصلت إلينا ونقلها الخلفُ عن السَّلف هي صحيحةُ السَّند، متواترة النَّقل، لا يتطرَّق إليها الشَّكُّ والاحتمال؛ فهي معضَّدةٌ بأركان وشروط يجب أن تتوافر فيها، وإلاَّ لم تكن مقبولةً، وقد رأيتُ قبل أن أذكر سندَ رواية قالون، أن أذكر بصورة مجملة ومختصرة أهمَّ الشُّروط والأركان التي يجب توافرُها، أو لنقل: وجدها العلماء متوافرةً في القراءات المتواترة؛ لأنَّ المتواتر لا شروط في قبوله ابتداءً في القراءات القرآنية، ومنها:
1 ــ موافقتها لوجهٍ من أوجه العربية فصيحاً كان أم أفصح.
2 ــ موافقتها لرسم مصحف من المصاحف العثمانيَّة ــ التي مرت الإشارةُ إليها ــ .
3 ــ بالإضافة إلى اشتراط التَّواتر( )، والمراد به ما نقله جماعةٌ عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من البداية إلى النِّهاية، ولقد نظم ذلك صاحب الطَّيِّبة فقال: ــ
وكلُّ ما وافق وجهَ النَّحوِ وكان للرَّسم احتمالاً يحوي
وصحَّ إسناداً هو القرآنُ( ) فهذه الثَّلاثةُ الأركـــــــانُ
وحيثما يختلُّ ركنٌ أثبتِ شذوذَه لو أنَّه في السَّبعةِ( )
ولقد جاء تعريف القرآن عند العلماء بقولهم:=ما نقل بين دفَّتي المصحف نقلاً متواتراً+( )وحينئذٍ لابدَّ من التَّواتر كشرطٍ لصحَّة القراءة، ولقد رأيتُ في بداية هذا الكتاب الخاص بأصول رواية قالون أن أسرد سند روايته تتميماً للفائدة. روى الإمامُ قالونُ القراءة عرضًا وسماعاً عن الإمام نافع،وتلقَّى الإمام نافع عن سبعين من التَّابعين من بينهم الإمامُ أبو جعفر يزيد بن القعقاع، قارئ المدينة الأوَّل وكذلك من بينهم شيبة بن تصَّاح، وعبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج، وقرأ أبو جعفر على عبد الله بن عيَّاش، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وهؤلاء الثَّلاثةُ قرؤوا على أبيِّ بن كعب، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة على زيد بن مثبت، وقرأ زيدٌ وأبيُّ على رسول الله ــ * ــ وقرأ ــرسول الله على جبريل، وأخذ جبريل عن اللَّوح المحفوظ عن ربِّ العزَّة ــ .
فروايةُ قالون متواترةٌ في جميع طبقاتها، ولا أدلَّ على تواترها من أنَّ نافعا ًتلقَّاها عن سبعين من التَّابعين، قال موسى بن طارق:سمعتُ نافعاً يقول: قرأتُ على سبعين من التَّابعين( ).
وروايةُ قالون هي المأخوذُ بها والمنتشرةُ في بلادنا، وأفريقيا، وكلُّ من ألَّف ودوَّن في علم القراءات يصدِّر ُتأليفَه بهذه الرِّواية تعظيماً لمنزلتها، ومنزلة راويها( ).